العنف الرمزي (Symbolic Violence) هو مصطلح ابتكره عالم الاجتماع بورديو لوصف أشكال الهيمنة التي تُمارس عبر الرموز والأفكار والقيم الثقافية، دون استخدام القوة الجسدية المباشرة. على وسائل التواصل الاجتماعي، يتجسّد هذا النمط في ممارسات تفرض تصوّرات أو معايير ثقافية واجتماعية على الشباب، فتُترجمُ إلى ضغط نفسي وسلوكي غالبًا ما لا يُدرَك بوضوح.
________________________________________
1. مظاهر العنف الرمزي على منصّات التواصل
• التنميط النمطي (Stereotyping):
نشر صور أو فيديوهات تُعزِّز معايير جمال أو سلوك محدّدين (مثلاً: الجسم المثالي أو نمط الحياة “الكامل”)، ما يجعل الشباب يشعرون بالنقص إذا لم يستوفوا تلك المعايير.
• اللغة التحقيرية والنبذ الاجتماعي:
استخدام ألفاظ تحقيرية أو “ترندات” سلبية تقصّي فئات معينة (مثل التنمر على مظهر أو دين أو انتماء)، فتزيد الإقصاء والضغوط النفسية.
• التأكيد على الفوارق الاجتماعية:
عرض نمط حياة “فاخر” أو سفر وتجارب باهظة التكلفة، يُشعر الشباب محدودي الإمكانيات بالفشل الاجتماعي والاقتصادي.
• التشهير وزرع الإحراج (Shaming):
نشر مقاطع أو صور محرجة لأفراد بغرض السخرية أو الابتزاز، ما يضر بكرامة المراهقين ويُدخلهم في دوائر القلق والاكتئاب.
________________________________________
2. تأثيره على الشباب
1. المُثُل غير الواقعية وضغط المقارنة
o يتطور لدى المراهقين شعور دائم بأنهم “غير كافيين”، نتيجة المقارنات المستمرة مع محتوى مُفلتر أو مُهندس رقمياً، مما يرفع معدلات القلق والاكتئاب الاجتماعي.
2. تشكيل الهوية والذات
o تُصبح هويات الشباب مرتبطة بصوره الرقمية وصورته “المثالية” أمام الآخرين، فيركّزون على الإبهار الرقمي بدلاً من التطوير الذاتي الحقيقي.
3. تراجع الثقة بالنفس
o جسدياً أو فكرياً، يؤدي التعرض المستمر للانتقادات اللاذعة أو التنميط إلى انخفاض احترام الذات وضعف القدرة على مواجهة النقد البناء.
4. التأثير على العلاقات الاجتماعية الواقعية
o ينطبع في عقل الشاب أن التفاعل القائم على الكمّ من “الإعجابات” والتعليقات أهم من العلاقات الحقيقية، ما يخلق عزلة وإنكفاءً على الذات.
________________________________________
3. آليات المواجهة والوقاية
• التربية الإعلامية والرقمية
غرس مهارات نقدية لدى الشباب لتمييز المحتوى المصطنع والقوالب الجاهزة، وتوعيتهم بضرورة التحقق من مصادر المعلومات وانعكاساتها عليهم.
• تعزيز الهوية الحقيقية
تشجيع المراهقين على التعبير عن هوياتهم وميولهم بعيدًا عن المقارنات الرقمية، من خلال أنشطة واقعية (فنون، رياضة، تطوع).
• ضبط الإعدادات والحدود الرقمية
استخدام خاصية “التصفية” لحسابات التنمر والمحتوى الضار، وتحديد أوقات معينة لاستخدام المنصّات لتجنّب الاستغراق النفسي المستمر.
• الدعم النفسي والاجتماعي
تفعيل دور الأسرة والمدرسة في متابعة أي إشارات تنمر أو نبذ، وتقديم حصص توعية وجلسات استشارية لتعزيز الثقة والتواصل الصحي.
________________________________________
4. الخلاصة
العنف الرمزي على وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة واسعة التأثير على نفسية الشباب وهويتهم الاجتماعية. بالتوعية النقدية وتطوير مهارات المواجهة الرقمية، يمكن تحويل هذه المنصّات من مصدر ضغط إلى مساحة للإبداع والتواصل الإيجابي، بما يحفظ كرامة المراهقين ويُعزّز ثقتهم بأنفسهم بعيدًا عن قوالب الظاهر الرقمي.
Add a Comment